الأحـــــــــــــــــــــلام .. ونظرة موضوعية

بسم الله الرحمن الرحيم

الاحلام ظاهرة نفسية مالوفة وشائعة بين جميع الناس , فمن النادر ان تجد انسان لايحلم,ولما كانت الاحلام غامضة مبهمة غير مفهومة , فان كثير من الناس يظنون انها هلوسة لامعني لها , ولكنها غير ذلك , فهي في حقيقة الامر ظواهر نفسيةلها غرض ووظيفة معينة تؤديها .
والفرق بين الحلم واليقظة : هو في درجة اليقين ودرجة الدقة والصدق , ودرجة التطابق بين الاحساس وواقع التذكر, فواقع الاحساس في اثناء اليقظة واقع متوتر كله انتباه وتركيز وحصر للذهن , واستدعاء الذاكرة يكون فيه حادا وهذا التطابق وهذه الدقة لا توجد في الاحلام , وانما يكون التافت مفككا من عدة ذكريات في وقت واحد , وهناك فرق اخر بين احلم واليقظة , ان الزمن في اليقظة هو زمن الساعة الموضوعي الذي يعيش فيه الكل , اما في الاحلام فلا يوجد تحديد الزمان والمكان , فالنائم يقطع صلته بالمكان و يعيش في عالم فراغي ... وبهذا يستطيع ان يضغط حوادث حلم تستغرق سنة كاملة في دقيقة زمنية , او يمط حادثة قصيرة الي سلسلة كسولة من الانطباعات, كذلك يستطيع مشاهدة منظرين في وقت واحد , وهذا ما يؤدي الي التداخل والتشويش في الحلم .
ويمكن تقسيم الاحلام الي :-
الاحلام من وجهه نظر علم النفس , الكوابيس , الرؤيا , احلام السرنمة , احلام اليقظة" .

الاحلام من وجهه نظر علم النفس :
يري فرويد ان الاحلام هي نتيجة من الصراع النفسي بين الرغبات اللاشعورية المكبوتة وبين المقاومة النفسية التي تحاول كبت هذه الرغبات ومنعها من الظهور الي الشعور اي ليس الا حل وسط ومحاولة للتوفيق بين هذه الرغبات المتصارعة , فالنفس لاتفقد شيئا من مضمونها , ولا يوجد شيء اسمه نسيان , فكل احساس وكل عاطفة مهما بلغت من الهوان والتفاهه لا تفني ولا تستحدث , وكل اسرار قلوبنا ووجداننا غير قابلة للاندثار , وكل ما في الامر انها تنطمس تحت سطح الوعي , وتتراكم في عقلنا الباطن لتظهر مرة اخري في اشكال جديدة , وما الاحلام الا الحياة التي تدوب في هذه العواطف اتي ظننا اننا نسيناها.
ولان ضمائرنا لاتنام تماما اثناء النوم وانما تنعس فقط , وتضعف رقابة العقل اثناء النوم كما تضعف المقاومة التي تكبت الدوافع والرغبات اللاشعورية لذلك تجد هذه الدوافع والرغبات اللاشعورية في النوم فرصة حيدة للانطلاق ومحاولة الظهور في الشعور , وبصورة رمزية حتي لا نفطن الي حقيقتها المزرية
بهذا يكون الحلم ما هو الا رغية لم تشبع في الاستيقاظ وجدت طريقا مشبعا هنا اثناء النوم
فالغاية هنا اشباع رغبات الشخص ومحاولة حل مشاكلة , وهو الجسر الموصل بين المشكلة التي تتعترض الشخصوالغاية التي يتشوق لتحقيقها

ولكن ماذا عن احلام الفزع والحسر " الكوابيس " :_
وهي احلام يشعر الفرد فيها انه بين النوم والاستيقاظ , ويرغب في النهوض ولكنه يفشل , وقد يصدر صوتا لتنيه من حوله ولطلب معاونتهم في الاستيقاظ وهي قد تكون اصواتا خافته لايسمعها الا القريب منه فقط. وقد يري الشخص في هذا الموقف شخصا من اسرته وهو يتحرك امامه كما قد يواكب ذلك رؤيه حلم مزعج ومفزع, وماهي الا نتاج التوتر النفسي المستمر او صدمة انفعالية شديده.
ولكن لــ"برجسون " رايا اخر: _
حيث يعتقد ان الحياة تقاوم النوم وتصارعه وان الاحلام هي ماضينا الذي يقاوم النوم وحواسنا في الحقيقة لاتنام وانما تنعس فقط وتسترخي بمعني اننا نظل نحس ونظل نري ونسمع في اثناء النوم , ولكن مرائينا باحساساتنا تاتي الينا باهته مغلفه بالضباب, فنحن اذا اغلقا عيوننا واسدلنا اجفاننا فان مسرح الرؤيا لاينطفيء تماما , وانما نظل نري نقطا مضيئه ودوائر وخطوطا ملونه تتحرك وتتمدد في مجالنا البصري وهذه النقط هي المسحوق الضوئي الذي ينشا منها لاحلام .
وبالمثل اذاننا تظل مفتوحه في اثناء النوم وتظل الاصوات تتسلل الي اعصابنا ........ وكذلك جلدنا يظل حاسا ينقل لنا كل شكه وكل لدغه ولفحه حتي احشاؤنا لاتنام هي الاخري بل هي في حركة مستمرة.
ويستشهد برجسون بالتجارب التي اجراها معهد الابحاث السيكلوجية البريطاني ....... حيث صلصل الطبيب بالمقص في اذان كل واحد علي انفراد وهو يغط في النوم فتؤدي هذه الاثار الي حلم معقد فيه حب وخيانة ومبارزات بالسلاح في الغابة .
وفي تجربة اخري حيث قام بفتح الشباك ليسقط شعاع القمر الباهت علي اعين النائمين فيؤدي هذه الاثار الي احلام لذيذة وعذبة بطلاتها عذاري جميلات بيض كالمرمر
ومعني هذا ان الاحلام لاجديد فيها , وانها انعكاس للحياة الفسيولوجية التي يعيش فيها الجسم , والجسم بطبيعته لاينام , وانما هو يكسل فقط وتكسل حواسه لكنها تتوارد علي الذهن

كارل .ج . يونج:_
يعتقد يونج ان هناك سببا اخر يجعل لنوم هذا السحر , ان النوم يغلق الباب علي الواقع الذي يخرق حياتنا ويفرض نفسه علينا ولا ينتظر منا ان نرحب به او نرفضه وفي نفس الوقت يفتح الباب الموصل لعالم الغيب , عالم الاسرار والغوامض وما فوق الواقع , وهو لا يعتقد ان المتحدث هو صوت العقل الباطن وانما هو صو ت الغيب والاحلام هي الحكمة العليا التي تبثها فينا هذه الاصوات الغيبيه وهو بهذا يختلف عن فرويد ان الحلم عودة الي الماضي والي الطفولة بتخريفاتها وهذيانها بل هو اشارة المستقبل والالهام

اما احـــلام السرنمة :_
فهي حالة نادرة وتعني السير اثناء النوم , وغير معروف للان اسباب او علاج لها , فهي تمثل ظاهرة غاية الغراية , ففي السرنمة يشعر الشخص بامنه الذاتي ( اي يكون واعيا يه ) وما يزيد الامر غرابة وتعجبا ان الشخص فيه يتحقق له مهارات غير عادية قد تكون شبه خارقة ولا تتوافر له في اليقظه

احــــــــــــــــــــلام اليقظة:_
وهي احد انواع الحيل الدفاعية العقلية اللا شعورية التي التوفيق بين الفرد وبيئته, ونحن جميعا سواء أكنا اسوياء او مرضي نلجأ الي مثل هذه الحيل والمحاولات ونشتخدمها حتي وان انكر البعض منا هذا
وحلم اليقظة هو هو عملية التفكير والتخيل التي تؤدي بطريق مباشر وغير مباشر الي تحقيق الرغبات وبلوع الاهداف البعيدة.بان نتخيل اشباع واقعنا ورغباتنا التي لم تشبع في الواقع , وفيها نهرب من قسوة الحياة ومتاعبها ونخلد الي عالم خيالي خاص بنا وحدنا ونحقق فيه امانينا ونشبع فيه دوافعنا وميولنا ونتغلب علي مشاكلنا وعقباتنا
وهي الاكثر شيوعا بين الناس كما انها تحدث في جميع مراحل العمر الا انها اكثر شيوعا في اثناء فترة المراهقة ومرحلة الطفولة وهي لها فائدة تتمثل في التنفيس عن الرغبات المكبوتة حين تسمح للشخص بان يحقق في الخيال ما لم يحققه في الواقع بما يحق له السعادة المؤقتة

الـــــــــــــــــــــــــــــــرؤيا:_
وهي ما يراه الانسان في منامه حين يتجلي الله عليه بها, وهي ما يفسره علماء الاديان تفسيرا واقعيا له مدلول والرؤيا اقسام:
صريحة مفسرة:
طاهرة تتحقق بلفظها الصريح ولا تحتاج الي تفسير او تاويل الرؤيا
الرؤيا المكنية المضمرة : وهي تودع فيها الحكمة والانباء وهي تحتاج الي تفسير كرؤيا يوسف عليه السلام
الرؤيا الحذرة : وهي التي تنبه الي خطر يهدد او مؤثر مؤذ كقوله تعالي" اني اري سيع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف".
واقدار الناس تختلف في التاويل لاختلاف احوالهم , فرؤيا الوزير تختلف لا تفسر كرؤيا الرجل العادي , كذلك بأختلاف الازمنة والامكنة.
وخطوط تاويل. الرؤيا واصلها ثلاث:
اصول : وهي( جنس , نوع , طبع ) فشجرة التوت المثمرة حينما نبحث عن اصلها نجد " الجنس: شجرة , والنوع :توت , والطبع: مثمرة اي نافعة ".
2الهيئات: وهي هيئة الرائي وشخصيته وصناعته وبيئته وقدرة بين الناس.
3 الدلائل: وهي التي تدل علي دوافع الرؤيا المنبثقة من الرائي بظروفها المختلفة.
امثلة من التاويل:_
التاويل باللفظ الصريح : _كرؤيا الانباء و الصالحين
التاويل بالاسماء : فيحول التاويل علي ظاهر اللفظ ,فرجل اسمه سالم فتاويلة سلامة .
التاويل من معاني الايماء ومن الاشتقاق : مثل رؤيا الميت والطفل الصغير والحيوانات .... فانهم جميعا مصدقون فيما قالوا.
التاويل بالمثل السائر: كقول الناس عن التاجر انه رجل كذوب لما عرف عنه من تلاعب .
التاويل بالضد : كقول المعبرين ان البكاء فرح لرائي والسيل حرب .
التاويل بالزيادة والنقص: فالبكاء اذا كان فرح.. اما اذا كان معه رنه كان مصيبه

ونلخص مما سبق ان الحلم في النهاية حادث شخصي بحت , ذاتي بحت , انه رؤيه سرية ومكاشفة سرية بين الشخص ونفسه وتفكير ذاتي في اخص الخصوصيات ان صاحب الحلم هو الذي يضع نظريته وهو الذي يضع رموزه هو الذي يملك مفتاح هذه الرموز وقاموسها ومدلولاتها وبالرغم من تشابه النفوس الانسانية فانها تختلف باختلاف بصمات الاصابع فيصيح لكل نفس منطقها وكل شحص شفرته السريه وحتي هذه الشفرة لا تنطبق علي الشخص في كافة مراحلة العمرية

محمد دياب